• من أَقوال الشَّهِيد الجلالي: علينا التَّمسكُ بِالتَّكليف الشَّرْعِيّ, وَأَمَّا النَّتِيجَةُ فموكولة إِلَى اللّه تَعَالَى.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: رَقَبتَي فِدَاءٌ لَديني وَمَذْهَبِي وَعَقِيدَتي.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: يَجِبُ الحِفَاظ عَلَى مظاهِرِ الدِّينِ, فَلَا يَنْبَغِي التَّجَاهُرُ بِالأَكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَتَّى لَذَوِي الأَعْذَار.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: لَا يَنْبَغِي التَّهَاوُنُ وَالتَّنَازُلُ عَنْ العَقِيدَةِ فِيمَا أَصْبَحَ شِعَارًا لِلمَذْهَبِ, فلاتحذفوا (العليّ) مِنْ صَدَقَ الله العَلِيُّ العَظِيمُ.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: لَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ العَمَل صَالِحًا مَا لَمْ تَكُن النِّيَّةُ صَالِحَةَ, فَمَنْ صَلحت نِيَّتَهُ صَلح عَمَله.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: الإِيمَانُ بِاللهِ وَالوَلَاءُ للعترة هو السراطُ المُسْتَقِيم.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: طَلَب العِلْمِ كَمَال ٌفِي الدُّنْيَا والدّين.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مؤمن ان يَعْمَل بِوَاجِبِهِ الشَّرْعِيِّ إِزَاءَ خَالِقِهِ تَعَالَى وَإِزَاءَ دِينِهِ وَعَقِيدته فلاينبغي التَّقْصِيرُ إِذَا قَصر الآخَرون وَلَا يَنْبَغِي القُعُودُ إِذَا قَعَدَ الآخَرُون.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: تمسّكوا بِعُلَمَاءِ الدِّينِ فإنّهُمْ حُمَاةُ الشَّرِيعَةِ وَحُرَّاسُ العَقِيدَةِ.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: رَجُلُ الدِّينِ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ لِلهِ تَعَالَى وَلَكِن بِصُورَةِ البَائِعِ المُتَجَوِّلِ, يَكُون فِي المَكَانِ الَّذِي تُمس الحَاجة إِلَيْه.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: اَللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا الشَّهَادَة فِي سَبِيلِ إِعْلَاءِ كَلِمَتِكِ لِنَسْقِي مِنْ كَأْسِ رَسُولِ اللهِ صلّي الله عليه و آله و سلّم شُرْبَةً لانضمأ بَعْدَهَا أَبَدا.
  • مِنْ أَقْوَالِ الشَّهِيدِ الجلالي: كُلُّ مُعَامَلَةٍ قَابِلَةٌ لِلرِّبْحِ وَالخَسَارَةِ الّا المُعَامَلَة مَعَ اللّه تَعَالَي فانّها تِجَارَةٌ لَنْ تَبُور.

الحوزة العلمية في مدينة القاسم(ع)

١- مدينة القاسم(عليه السلام)
٢- السيّدة تكتم (عليها السلام)
٣- الروضة القاسِميّة
٤- كرامات المرقد الشريف
٥- تأسيس الحوزة العلميّة في مدينة القاسم(عليه السلام)

 

مدينة القاسم(عليه السلام)

 

نظراً لما تتمتّع به مدينة القاسم(عليه السلام) من موقع جغرافيّ متميّز; لأنّها تقع وسط العراق، فهي تابعة لمحافظة بابل إدارياً (الحلّة سابقاً) وهو البلد ذو التاريخ الحضاري كما ذكره لنا المصلح الكبير آية الله الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء(قدس سره) في تقديمه لكتاب (البابليّات) فيقول: نشأت الحلة السيفيّة والمِزيَديّة في أُخريات القرن الخامس على ضفة الفرات أو على ضفتيه، ولكن من حين تكونت وبرزت إلى عالم الوجود نشأت مطبوعة على ثلاثة طوابع أو أربعة:

(الأوّل): طابع العروبة المحضة; لان مؤسّسيها من العرب الأقحاح، وهم أُمراء العرب في تلك القرون، بنو مِزْيَد الأسدي، وبنو أسد من أعظم قبائل العرب في الجاهلية والإسلام.
(الثاني): طابع العلم.
(الثالث): طابع الأدب العالي.
(الرابع): طابع التشيع وإخلاص الولاء لأهل البيت النبويّ.

وكانت محطّ رحال العلماء، ودار هجرة الادباء، بعدما كانت قاعدة لإمارة سيف الدولة الأسدي، التي بناها سنة (٤٠٣) وقد تزامنت مع عصر آل بويه، وانتهاؤها في عصر السلاجقة سنة (٥٤٥ هـ) ورأس ملوكها أبو الحسن سند الدولة عليّ بن مزيد الأسدي. وخاتمتهم عليّ بن دبيس الذي توفّي سنة (٥٤٥ هـ) وقد اشتهروا بالكرم حتى قال الشاعر:

سألت الندى والجودَ: حيّان أنتما *** وهل عشتما من بعد آل محمّدِ

فقالا:

نعم مُتنا وقد ضمّنا الثرى *** زماناً وأحيانا دُبيس بن مِزْيَدِ

وكذلك ساعد على شهرة ناحية القاسم(عليه السلام) قربها من العتبات المقدّسة كالنجف الأشرف وكربلاء المقدّسة، وتوافد الزائرين عليها، ولم يقتصر ذلك على العراقيين، بل إن الذي جعلها تزداد عظمة وشرفاً، ولفت الأنظار إليها تشرفها بجوار الغريب القاسم بن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) فأصبح يؤمّها المسلمون من أصقاع الدنيا كالهند والباكستان وأفغانستان وإيران ودول الخليج وباقي الدول الإسلامية والعربيّة، وقد ساهم آية الله الشهيد الجلالي(قدس سره) في ذلك، فقد طبع حديث القاسم(عليه السلام) وخروجه من المدينة المنورة، وترجم إلى عدّة لغات، ووزع في آلاف النسخ على الزائرين للتعريف بهذا المرقد المطهر وفضل المدفون فيه.
ولأنّ من نذر نفسه لدين جدّه استحق أن يخلد، فبينما كان القاسم مشرّداً في عهد الطغاة لايؤويه بيت، والطغاة لاهُونَ في غيّهم، وبيوتهم عامرة بالفحشاء والمنكر، نجد الأمر ينعكس تماماً، فأصبح المشرّد الغريب رمزاً وأنشودة في فم الزمن يردّده كلّ مظلوم.
فبه تشرّفت الأرض، فقدّست؟ وأصبح مصدراً يستلهم منه الغذاء الروحيّ، وبالمقابل لاتجد للظالمين ذكراً ولاأثراً إلاّ اللعنة وسوء الدار.
أضف لذلك ما ورد عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) من الأحاديث في فضل ولده القاسم(عليه السلام) وما اشتهر به(عليه السلام) من كرامات تدلّ على عظيم شأنه وعلو منزلته عند الله تعالى.
ومن ذلك حديث نصّ الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) على ولده الإمام الرضا(عليه السلام)وذكره لولده القاسم(عليه السلام)، وهو لا يحتاج إلى دلالة أكثر من أنه كان يعني بيان عظمة شأن القاسم(عليه السلام).. ومنزلته لدى والده(عليه السلام) فقد روى ثقة الإسلام الشيخ الكليني خبراً طويلاً عن يزيد بن سليط عن الإمام الكاظم(عليه السلام) في طريق مكّة وأنه قال له: «أخبرك يا أبا عمارة أنّي خرجت من منزلي فأوصيتُ إلى ابني فلان (يعني الإمام الرضا(عليه السلام)) وأشركت معه بنيَّ في الظاهر، وأوصيتُه في الباطن فأفردتُه وحده،  ولو كان الأمر إليّ لجعلتُه في القاسم ابني، لحبّي إيّاه، ورأفتي عليه، ولكن ذلك إلى الله عزّ وجلّ يجعله حيث يشاء».
ويظهر من الرواية أنّه لو لم يكن القاسم(عليه السلام) مستحقاً ذلك لما منحه الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) ثقته وحبّه، ولا بدّ لنا من وقفة مع العبد الصالح الذي تشرّفت الناحية بجسده الطاهر فعمّت بركاته واشتهرت كراماته.
فقد وُلد من نسل إمام عرف بأنّه راهب بني هاشم الذي سئل أبوه الإمام الصادق(عليه السلام) عن مدى حبّه له(عليه السلام) فقال: «وددتُ أن ليس لي ولدٌ غيره لئلا يشركه في حبّي أحد» [١].
وأعتذر لقارئي الكريم من الدخول في تفاصيل حياة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) وسيرته الشريفة، لأنّ ذلك يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين للإحاطة بحياته الكريمة، ولكننا نقف معه(عليه السلام)في لمحة موجزة فيما اشتهر عنه(عليه السلام) من عبادته حيث يقول عنه ابن الصبّاغ المالكي: إن شخصاً من العيون التي كانت عليه في السجن رفع لابن عيسى بن جعفر أنه سمعه يقول في دعائه: «اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنتُ أسألُك أن تفرّغني لعبادتك وقد فعلتَ، فلك الحمد» [٢].
ويذكر ابن خلكان قال: دخل الإمام الكاظم(عليه السلام) مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فسجد سجدةً في أوّل الليل وسمع وهو يقول في سجوده: «عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة»فجعل يردّدها حتى أصبح [٣].
و يقول ابن الصباغ المالكي في وصف الإمام الكاظم(عليه السلام): كان موسى الكاظم أعبدَ أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم كفاً وأكرمهم نفساً، وكان يتفقّد فقراء المدينة ويحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم ولا يعلمون من أيّة جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا ذلك إلا بعد موته[٤].

 

السيّدة تكتم اُم البنين

 

لبعدنا عن المصادر التاريخية لحياة القاسم(عليه السلام) بالاضافة إلى عدم وجود ما يشفي العليل فيما كتب عن حياته، لذلك اعتمدنا كتاب (القاسم بن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) حياته، روضته، مدينته) للشيخ عبد الجبار الساعدي، فهو يقول عن أمّ القاسم(عليه السلام): من الثابت أن السيّدة تكتم الملقّبة اُم البنين هي اُم الرضا(عليه السلام) ولكن هل هي نفسها أمّ القاسم وفاطمة الشهيرة بالمعصومة؟ بعض المصادر تؤيد هذا. قال المرحوم الحجة الشيخ محمّد حرز الدين[٥]: أُمّه – أي القاسم – أُمّ ولد تكنى أمّ البنين هي أمّ أخيه الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) وأمّ فاطمة دفينة قم المشرفة.
وقال الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طعان[٦]: وهو – أي الإمام الرضا – وأخوه القاسم وأخته المعصومة فاطمة المدفونة في قم من أمٍّ واحدة».
ولكنهما لم يذكرا المصدر الذي اعتمدا عليه في ذلك، مع أنهما من المتأخرين، والمصادر القديمة لم تذكر ذلك ألبتّة، والله العالم.
وورد في كتاب «عيون أخبارالرضا(عليه السلام)» أنّ حميدة المصفّاة أمّ أبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) قد اشترت جارية مولّدة اسمها (تكتم) وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفّاة حتى أنّها ماجلست بين يديها مذ ملكتها إجلالاً لها، فقالت لابنها موسى: يا بنيّ إنّ تكتم جارية مارأيت جارية قطّ أفضل منها ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيظهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتُها لك فأستوصِ خيراً بها، وكانت حميدة قد رأت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام وهو يقول لها: يا حميدة هبّئي نجمة لابنك موسى فإنّه سيولد له منها خير أهل الأرض.
فوهبتها له[٧] وولدت له الإمام(عليه السلام).
وبسند مرفوع إلى هشام بن أحمد قال: قال لي أبو الحسن الأوّل – اي الإمام موسى الكاظم -: هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا.
فقال(عليه السلام): بلى، قد قدم رجل أحمر فانطلق بنا، فركب وركبنا معه، حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجلا من أهل المغرب معه رقيق، فقال له: اعرض علينا، فعرض علينا تسع جوار، كلّ ذلك يقول أبو الحسن: لاحاجة لي فيها، ثم قال له: اعرض علينا، قال: ماعندي شيء، فقال له: بلى، اعرض علينا، قال: لا – والله – ما عندي إلا جارية مريضة، فقال له: ما عليك أن تعرضها؟ فأبى عليه، ثمّ انصرف، ثمّ أنه أرسلني من الغد إليه فقال لي قل له: كم غايتك فيها؟ فإذا قال كذا وكذا، فقل: أخذتها، فأتيته، فقال: ماأريد أن أنقصها من كذا، فقلت: قد أخذتها وهو لك، فقال: هي لك، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس؟ فقلت: رجل من بني هاشم. فقال: من أي بني هاشم؟ فقلت له: من نقبائها، فقال: ما أريد أكثر منه، فقلت، ما عندي أكثر من هذا، فقال أضرب عن هذه الوصيفة إني اشتريتها من أقصى بلاد المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ فقلت: اشتريتها لنفسي! فقالت: ما ينبغي أن تكون عند مثلكإن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلدَ منه غلاماً يدينُ له شرق الأرض وغربها، قال: فأتيتُه بها، فلم تلبث عنده إلا قليلاً حتى ولدت له علياً[٨].
وكلّ من ترجم لها يثني عليها ثناءً عاطراً وينعتها بأحسن النعوت، وقد أطراها بالأدب والفضل والكمال شيخنا المفيد في الإرشاد، ومما يدل على أن اسمها «تكتم» قول الشاعر يمدح – الإمام – الرضا(عليه السلام):
ألا إنّ خير الناس نفساً ووالداً *** ورهطاً وأجداداً عليُّ المعظّمُ
أتتنا به للعلم والحلم ثامناً *** إماماً يؤدّي حجّة الله تكتمُ [٩]
وتكتم من أسماء نساء العرب قد جاء في الاشعار كثيراً منها قوله:
طاف الخيالان فهاجا سَقَماً *** خيال تكنى وخيال تكتما
 
وذكر المؤرخون أنه كان الإمام الرضا(عليه السلام) يرتضع كثيراً، وكان تامّ الخلق، فقالت: أعينوني بمرضع، فقيل لها: أنقص الدرُّ؟ فقالت: ما أكذب والله، ما نقص الدرُّ، ولكن عليّ وِرْدٌ من صلاتي وتسبيحي، وقد نقصت منذ ولدت[١٠]. وهذا دليل إيمانها وصلاحها.
ونكتفي بهذه العجالة والإطلالة القصيرة على الدوحة الهاشمية التي تربى القاسم(عليه السلام) في أحضانها إذ أن الإحاطة بجوانب أهل بيته وإخوته(عليهم السلام)لا يسعها كتاب، لذلك تركناها للقارىء الكريم، وسنعود مرة أُخرى إلى القاسم(عليه السلام).
وقصة خروجه من المدينة المنوّرة، إلى أن وصل حيّ (باخمرا) لم نجد لها مصدراً تاريخياً يفصّل ذلك إلا ما شاع على الألسن، ولكن من المؤكّد أن القاسم(عليه السلام) قد تزوّج من بنت شيخ الحيّ، ولكنه لم ينجب عقباً له، وكما نقل الشيخ عبد الجبار الساعدي في كتابه (القاسم(عليه السلام)) عن ابن عِنَبَة [١١] قال: درج منهم خمسة لم يُعَقِّبُوا بغير خلاف، وهم عبد الرحمن، وعقيل، والقاسم، ويحيى، وداود، عتد ذكر أولاد الإمام الكاظم(عليه السلام) وأكّد ذلك القول المؤرّخ العلامة الشيخ باقر القرشي، كما نقل عنه في كتابه: (حياة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام))[١٢] (ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا عقب للقاسم كما نصّ على ذلك غير واحد من علماء النسب).

 

الروضة القاسِميّة والتحقيق حول المرقد الشريف

 

 تقع الروضة القاسِميّة المشرّفة في شاهق الحيّ من مدينة (سُورا) القديمة، وقد اشتهرت (سُورا) بنهرها المعروف، وجاء في تاريخ الكوفة[١٣] ص ١٧٤ في صفته: وهو عمود الفرات أوّله من القرية المعروفة بالجديدة من قرى العذار، ويكون مجراه ما بين قرية ذي الكفل وبين قرية القاسم بن الإمام الكاظم(عليه السلام) وهو إلى قرية القاسم أقرب [١٤].
ويقرب من هذا التحديد ما جاء في البابليات [١٥]. والسُوراوي نسبة إلى سُورا – وزن بُشرى – وتمدّ أحياناً – قال ياقوت: وهي مدينة السريانيين قريبة من «الوقف» والحلّة المِزيَديّة.
وفي «المراصد»: هي مدينة تحت الحلّة، لها نهر يُنسب إليها، وكورة قريبة من الفرات، قلت: وآثار هذه المدينة، ومعالم النهر لا تزال موجودة، رأيتها مراراً، وهي بالقرب من مركز قضاء الهاشمية، ويسمّيها أهل تلك النواحي:(سُوره) والنسبة إليها سوارئي وسوراوي وسيورىّ، ومنها العالم الفاضل الشيخ المقداد بن عبد الله السيوري الحلّي الأسدي المتوفّى سنة ٨٢١ هـ صاحب «كنز العرفان فى فقه القرآن».
وأما ما ذكره الشيخ يوسف كركوش الحلژي في كتابه[١٦] نقلاً عن (معجم البلدان) من أن قبر القاسم(عليه السلام) في قرية تسمى (شوشة)؟
 فهو بعيد عمّا جاء في المصادر الأخرى، كتاريخ الكوفة، والبابليّات كما مرّ، وسيأتي عن مصادر أُخرى وذلك لعدّة وجوه:
منها: ما أشار إليه صاحب «تاريخ الكوفة» عندما تعرّض لوصف (سورا): «و القرية المعروفة بالجديدة من قرى العذار» فإنّ منطقة الجديدة هي معروفة ومشهورة بهذه التسمية لحدّ الآن، وتقع على النهر المتفرّع من الفرات، وتكون بالقرب من قبر ضمّ أحفاد الإمام الحسن الزكي(عليه السلام): محمّد الديباج وإبراهيم أحمر العينين، وبقربها منطقة الجربوعيّة.
ومنها: أن صاحب «المراصد» أشار إلى أنّها بالقرب من مركز قضاء الهاشميّة – وهذا أيضا واضح جدّاً; إذْ أنّ ناحية القاسم(عليه السلام) تابعة إدارياً لقضاء الهاشميّة، وجغرافياً يقع بالقرب من ناحية القاسم(عليه السلام) وبمسافة كيلو متر من مركز الناحية يقع تلٌّ رمليّ تواتر اسمه ب- (السفاح) نسبة للخليفة العباسي عبد الله السفّاح، الذي اتّخذ الهاشميّة مقرّاً لدولته.
ومنها: قول صاحب «المراصد»: إنّ معالم النهر لاتزال موجودة رأيتها مراراً، وهذا لا يختلف عليه اثنان من أبناء ناحية القاسم(عليه السلام) إذ أننا كنّا نسمع ما يتداول بين كبار السنّ وشيوخ الناحية عن معالم النهر، وأن الكثيرين من سكّان ضواحي الناحية أطلقوا على النهر (الحدّ) أي أنه الحدّ الفاصل بين المدينة وما جاورها من القرى، وبالأحرى نهاية حدود الناحية آنذاك.
ومنها: ما ظهر من الكرامات التي شهدها الكثيرون من ثقات المدينة عند حدود ذلك النهر مما سنشير إليه إن شاء الله تعالى عند ذكر كرامات القاسم(عليه السلام) نشير إلى ما ذكره آية الله المحدث الكبير الشيخ حسين النوري(قدس سره)[١٧] الحكاية يأتي على تحديد القبر الشريف للقاسم(عليه السلام) فيقول(قدس سره)ما نصّه: والقاسم المذكور مدفون في ثمانية فراسخ عن الحلة، وعلى الدوام يذهب العلماء والأخيار لزيارته… إلى أن يقول: ولكن في أصول الكافي خبرٌ يدل على عظمة شأنه وعلوّ مقامه بما لايتصوّر العقل.

 

ولنتابع الحديث عن: كرامات المرقد الشريف:

 

مرقد القاسم بن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) لايختلف عن بقيّة مراقد السادات العلويّين المشهورين من أبناء الائمّة الكرام(عليهم السلام) الذين اشتهروا علماً وفضلاً ونبلاً فكانوا – في حياتهم – مثال العلوي الحرّ النزيه المترسّم خطى الآباء والأجداد، والسالك مسالك الطهر والتقى والصلاح، ما شذّت لهم عن كتاب الله خطوة، ولازاغت لهم عن سنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) سيرة، وقد ظهرت لهؤلاء السادات العلويّين كرامات متكرّرة شهدهاالخاصّ والعامّ، وحفظها المخالف والمؤالف، دلّت على سموّ فضلهم وعلوّ كعبهم، وأشارت إلى مالهم عند الله من منزلة سامية ودرجة عالية، لايمكن لكلّ أحد الفوز بها إلاّمن عمّر بالإيمان قلبه، ووشّح الصفاء مسالك روحه، واتّجه إلى الله بنيّة خالصة.
وقبل سرد بعض كرامات سليل باب الحوائج(عليه السلام) أرى أن أُمهّد لها بهذه التوطئة: الكرامة مشتّقة من الإكرام، والكرم معروف، وكأنّ الله تعالى يكرم عبده الصالح بما يظهر على يده أو عند قبره بما يخرق العادة، وما يسهّله بسببه من الأمور الصعبة، وإن لم تكن خارقة للعادة، كشفاء المريض، وتعجيل البرء، وإعطاء الأماني، وما يشاكل ذلك، حتى تصل إلى درجة الإعجاز، كلّ هذه من الكرامات التي يكرم الله تعالى بها الأولياء والبررة الأتقياء، وكلّ مقدور لله فهو ممكن، وحيث لاتلبس بدعوى النبوّة، ولايلزم التمويه فهي ممكنة [١٨].
قال الشريف الجرجاني[١٩] «المعجزة أمرٌ خارقٌ للعادة، داعيةٌ إلى الخير والسعادة، مقرونةٌ بدعوى النبوّة قصد بها إظهار صدق من ادّعى أنه رسول لله» ثم قال: «والكرامة ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبوّة، فما يكون مقارناً بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجاً وما يكون مقروناً بدعوى النبوّة يكون معجزةً».
وقال فيلسوف الإسلام المحقق الطوسيّ: «في نبوة النبيّ وطريق معرفة صدقة ظهور المعجزة على يده وظهور ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى، والكرامة ليست كذلك» [٢٠].
وقال العلاّمة الحلي: «ونعني بالمعجزة ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة، ومطابقة الدعوى ; لأنّ الثبوت والنفي سواء في الإعجاز ; فإنّه لافرق بين قلب العصا حيّةً، وبين منع القادر من رفع أضعف الأشياء، وشَرَطنا خرق العادة ; لأنّ فعل غير المعتاد ونفيه لايدلّ على الصدق، وقلنا: مع مطابقة الدعوى ; لأنّ من يدّعي النبوّة ويسند معجزته إلى إبراء الأعمى، فيحصل له الصمم مع عدم برء العمى لايكون صادقاً… ولابدّ في المعجزة من شروط:
١- أن يعجز عن مثله أو عمّا يقاربه الأمّة المبعوث إليها.
٢- أن يكون من قبل الله أو بأمره.
٣- أن يكون في زمن التكليف; لأنّ العادة تنتقض عند أشراط الساعة.
٤- أن يكون عقيب دعواه فيكون ظهور الثاني كالمتعقّب لدعواه.
٥- أن يكون خارقاً للعادة» [٢١].
فأنت ترى فيما تقدم أن المعجزة تختلف عن الكرامة في كل مورد من مواردهما، ولكل من المعجزة والكرامة مجالهاوشروطها وخصوصياتها.
يقول الاستاذ العلامة الشيخ محمّد جواد مغنية [٢٢]: فإنّ حصول الكرامات على أيدي الأولياء أمرٌ ممكنٌ يقرّه الدين ولايأباه العقل، وقد فرّق علماء الإسلام بين المعجزة والكرامة، بأن يشترط فيها التحدّي كأن يقول النبيّ لمن بعث إليهم: إن لم تقبلوا قولي فافعلوا مثل هذا، أما الثانية وهي الكرامة، فلا يشترط فيها التحدّي[٢٣].
ويقول العلامة الكبير السيّد محمّد حسين الطباطبائي(قدس سره) [٢٤]: يحكى عن كثير من صلحائنا من أهل الدين أنهم نالوا في خلال مجاهداتهم الدينية كرامات خارقةً للعادة وحوادث غريبة اختصوا بها من بين أمثالهم كتمثل أمور لأبصارهم غائبة عن أبصار غيرهم، ومشاهدة أشخاص أو وقائع لاتشاهدها حواسّ مَن دونهم من الناس، واستجابة الدعوة، وشفاء المريض الذي لامطمع في شفائه بالأدوية، والنجاة من المخاطر والمهالك من غير طريق العادة.
ونكتفي بما أوردناه في هذا الجانب، وبما أنها من الأمور اليقينيّة البديهية فقد تواتر نقل هذه الكرامات، فإنّ هذا التواتر يكون دليلاً قاطعاً على صحّة ما سنذكره، إذْ أن التواتر من أدلة اليقينيات كما هو المعروف عند المناطقة، إذْ عرّفوها بأنها: هي قضايا تسكن إليها النفس سكوناً يزول معه الشك ويحصل الجزم القاطع، وذلك بواسطة إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب، ويمتنع اتفاق خطئهم في فهم الحادثة كعلمنا بوجود البلدان النائية التي لم نشاهدها.[٢٥]
وما سنعرضه من كرامات فقد سمعنا بها من أكثر من مصدر موثوق، بل يكاد يكون إجماع أبناء المدينة المقدسة على ذلك لإخبار الثقات بما رأوه عياناً، منها:

القنابل التي ألقيت من الطائرات البريطانيّة

عند تقدّم القوات البريطانية لاحتلال العراق، توجّهت طائراتهم الحربية مستهدفة القبّة الشريفة لضريح القاسم(عليه السلام) وحاولوا قصفها عدّة مرّات، ولكن القنابل تحوّلت إلى كتلة طينية خارج المنطقة، لذلك أطلق أبناء المدينة ومن يحيط بها على«القاسم(عليه السلام)» ب-«شمّار الدان» ومعناها باللغة الفصحى«من يقذف القنابل بعيداً» والدانة هي (القذيفة).

ومنها: الضوء على شكل مصباح كبير

في ليلة حالكة الظلام، ولم يكن وقتها وجود للمصابيح الكهربائية في المنطقة، فجأةً أضاءت المنطقة المحيطة بالحضرة الشريفة وما حولها بحيث هرع سكّان المدينة من بيوتهم ليلاً; ليشاهدوا هذه الظاهرة الغريبة، و أخذ الضوء الذي كان على شكل مصباح يدور حول المنطقة لفترة بين (٣- ٤) ساعات، واستمرّ هذا المشهد ثلاث ليال متتالية، وكان بعدها يختفي في القبّة المطهرة، فكان الاعتقاد السائد في المنطقة أنّ الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)جاء لزيارة القاسم(عليه السلام) ولأجل ذلك اشتهر القاسم(عليه السلام)بلقب (أبو فانوس).

ومنها: السارق الذي أصيب بالعمى عند النهر

كان مدير ناحية القاسم(عليه السلام) وهو من أبناء السنّة متديناً ويتمتع بأخلاق عالية وأدب، وفي احدى ليالى الشتاء وبعد أن انفض المجلس الذي يتردّد عليه كلّ ليلة في دار المغفور له خادم الحسين(عليه السلام) الحاج جاسم مهدي الجعفر(رحمه الله) وذهب كلٌ إلى بيته سمع صوت استغاثة قريباً من دار مدير الناحية، وهو لايبعد عن الصحن الشريف إلاّ قليلاً، فهبّ أبناء المدينة لنجدته، فوجدوه وهو يعاتب القاسم(عليه السلام) ويبكي مخاطباً له(عليه السلام)بأنه جاره وحقّ الجار حماية جاره، فسألوه عما جرى؟ فقال: إنّ الأموال التي جمعت من الضرائب وأجور البلدية والكهرباء، وهي مبالغ جمعت لعدّة أشهر قد سرقت، ولا أدري كيف أواجه المسؤولين؟ وستفرض عليّ عقوبات صارمة.
فخرج الجميع للبحث عن السارق، وقبل طلوع الفجر أمسكوا به، فسأله مدير الناحية أمام الجميع عن سرقته، فظهر أنه سرق ذلك قبل منتصف الليل، ولما سأله عن سبب بقائه داخل المنطقة طوال هذاالوقت؟ قال: إنني كلّما حاولت الخروج والوصول إلى النهر الذي يحيط بالمنطقة – الواقع خلف دار مدير الناحية – لم أبصر الطريق ويصيبني العمى فأظلّ أدور في نفس المكان، وعندما أرجع إلى المدينة أرى كلّ شيء بشكل طبيعي، وهكذا كان الأمر طوال الوقت، وبما أنني لست من أبناء المدينة فقد ثارت الشكوك حولي، فأمسكوا بي.
فأمر مدير الناحية بإطلاق سراحه، معترفاً بأن إلقاء القبض عليه كان كرامة من كرامات القاسم(عليه السلام) لما حصل من العمى والتخبط.
والجدير بالذكر أن النهر المشار إليه هو (نهر سورى) الذي يقرب من الصحن الشريف ويعرف ب-(الحدّ) وأن العشائر المحيطة بالمدينة إذا أرادوا أن يتوثّقوا من شخص بصدق دعواه، فلا حاجة لأن يؤتى به إلى الحضرة المطهرة للقاسم(عليه السلام) بل يقف على حافّة النهر ويشير إلى القاسم(عليه السلام) تصديقاً لدعواه، فيعود المتنازعان بالاطمئنان، وينتهي نزاعهما.

السقوط من مأذنة الصحن الشريف

في سنة ١٩٦٦م شرع خدّام الروضة القاسِميّة المطهرة بتبرّع من أبناء المدينة الغيارى ومساعدة الزائرين الكرام في بناء المئذنة الثانية للصحن الشريف، وكان المشرف على البناء وما يعرف ب-(الأسطة – ويدعى مرزه – وهو من أبناء مدينة الحلة) صعد داخل ما يسمّى ب- (السكلة) وهو الخشب الذي يحيط بالمئذنة ويرتفع معها إلى أعلى البناء، ومن أعلى المئذنة انكسرت الخشبة التي يقف عليها وارتفاعها أكثر من (عشرين متراً) فسقط إلى الأرض بين الخشب والمسامير، ولكن ثوبه تعلّق بمسمار وتدلّى منه، ولم يصب حتى بخدش بسيط، وكان هذا الحدث قد وقع أمام الكثير من أبناء المدينة والزائرين، وبمشقّة بالغة تمكّن من التخلّص من الزائرين الذين أخذوا يقطعّون ثيابه قطعاً، ويأخذونها للتبرك بهاوعلى أثر هذه الكرامة دعا الناس إلى وليمة كرامة لابن باب الحوائج(عليه السلام).

الشاب البصري الذي أصيب لسانه بمرض السرطان

في إحدى ليالى الجمع، حيث يكتظّ الصحن الشريف للقاسم(عليه السلام)بالزائرين الوافدين من وإلى كربلاء المقدّسة، لزيارة سيد الشهداء(عليه السلام)وبالتحديد في صيف ١٩٨٥ م، دخلت الصحن الشريف، فرأيت قطعة قماش بيضاء، تقرب من ثلاثة أمتار كتبت عليها قصّة شفاء مصاب بالسرطان وهو من أهالي مدينة البصرة، وإلى جانب قطعة القماش شابّ يرتدي ملابس بيضاء لاتبدو عليه آثار المرض، وهو جالس بباب الحضرة الشريفة، ويأتي الناس للسلام عليه وتهنئته بالشفاء، وكان قد أُصيب بسرطان في لسانه، وقرّر الأطباء في مستشفى مدينة الطبّ في بغداد إرساله إلى الخارج، وقررت اللجنة بعد التشاور أن يستأصل الجزء المريض من لسانه، وليس معنى ذلك إلا أنه سيعيش فترة أشهر قليلة، وكان هذا القرار الأخير بعد أن لوحظت تقاريره الطبيّة، وقبل أن يتّخذ قرار العمليّة، جاء إلى زيارة العبد الصالح القاسم(عليه السلام) ودخل إلى باحة الضريح المطهر، وفتح له باب القبر الشريف، فأخذ يتضرّع باكياً طيلة ليلة الجمعة متوسّلاً إلى الله تعالى ببركة القاسم(عليه السلام) وشأنه العظيم[٢٦] وعند صباح الجمعة أحسّ بتحسّن مفاجىء في لسانه، وبزوال الألم، فسافر إلى بغداد وراجع مستشفى مدينة الطبّ فيها، وبعد إجراء فحوصات جديدة ظهر سلامته من مرض السرطان، وأنّه ليس بحاجة حتى للعلاج، وعلى أثر ذلك عاد إلى البصرة وأقام وليمة كبرى للقاسم(عليه السلام) ضحّى فيها بأكثر من عشر شياه، وجاء لحضرة القاسم(عليه السلام) وأقام وليمة ثانية ضحّى فيها بسبع من الشياه ليلة الجمعة، ودوّن قصته على (قطعة قماش) ليطّلع عليها الزوار. وفاتني أن أذكر حادثة وبالأحرى كرامة حدثت في ١٥ شوال ١٣٨٥ هـ = ١٩٦٥ م وهو اليوم الذي صادف فيه التبرّع لتشييد الضريح الذهبي للمرقد المطهر والذي هو عليه الآن.
فبعد أن أعلن آية الله الشهيد الجلالي(قدس سره) للناس عن عزمه على تشييد ضريح للقاسم(عليه السلام)، تجمّع الناس بمختلف طبقاتهم في الصحن الشريف وأطلقوا الأهازيج و (الهوسات) الشعبية بهذه المناسبة الميمونة، وقد غصَّ الصحن الشريف بالرجال والنساء، وأخذت التبرّعات تنهال على اللجنة المختصة، وكان بين الأطفال طفل مشلول تماماً لايتمكن من المشي على قدميه، وبمجرّد أن أقدمت والدته على فتح الخلخال من رجله قام الطفل ماشياً في الصحن مع الأطفال ببركة القاسم(عليه السلام).
عزيزي القارىء الكريم بعد أن ذكرنا لك ما ظهر من المرقد المطهر من كرامات، كانت غيضاً من فيض ذلك المرقد الطاهر الذي ضم بين جوانبه الجسد المطهر لابن باب الحوائج(عليه السلام). أقول: إنّني على طول خدمتي في الصحن الشريف تعرّضت لحوادث ومخاطر كثيرة يطول المقام بذكرها عندما كنت أقوم بالتصليحات والتأسيسات الكهربائية في الصحن أوقات الفراغ.
وهذه الحوادث تترّدد على الألسن في مجالس كبار السنّ الموثوقين المعروفين في الناحية المقدسة، ولا يختلف فيها اثنان، ولا غرو في ذلك ولا عجب ممن كانت حياته لله تعالى ولم يعرف عنه إلا الصلاح والتقوى، وذلك ما أشار إليه الحديث القدسي الذي نصّه: «فمن عمل برضائي اُلزمه ثلاث خصال: اُعرفه شكراً لايخالطه الجهل، وذكراً لايخالطه النسيان، ومحبّة لايؤثر على محبتي محبة المخلوقين، فإذا أحبّني أحببته، وأفتح عين قلبه إلى جلالي، ولا اُخفي عليه خاصة خلقيواُناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم، واُسمعه كلامي وكلام ملائكتي، واُعرّفه السرّ الذي سترته عن خلقي، واُلبسه الحياء حتى ليستحي منه الخلق كلّهم، ويمشي على الأرض مغفوراً له، وأجعل قلبه واعياً وبصيراً، ولا اُخفي عليه شيئاً من جنة ولا نار، واُعرفه ما يمر على الناس في القيامة من الهول والشدة، وما أحاسب به الاغنياء والفقراء والجهال والعلماء، واُنومه في قبره وانزل عليه منكراً ونكيراً حتى يسألاه، ولا يرى غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطّلع، ثم أنصب له ميزانه وأنشر ديوانه، ثم أضع كتابه في يمينه فيقرؤه منشوراً ثم لا اجعل بيني وبينه ترجماناً، فهذه صفات المحبين[٢٧].

 

 

تأسيسه للحوزة العلميّة في مدينة القاسم(عليه السلام)

 

في سنة ١٣٨٥ هـ سافر الشهيد(عليه السلام) إلى مدينة القاسم(عليه السلام) لغرض تعيين مرشد ديني هناك، ولكنه ما إن حلَّ المدينة حتى ذهب وفد كبير إلى الإمام الحكيم(قدس سره) لكي يؤثر على الشهيد كي يبقى عندهم، إذ أن الإمام الحكيم(قدس سره) عيّنه وكيلاً عنه في (دولة قطر) إلاّ أنه اختار مدينة القاسم(عليه السلام)لقربها من النجف الأشرف ليواصل دراساته العليا، ومما ساعد على اختياره لهذه المدينة المقدّسة، أن أحد المؤمنين رأى رؤيا سنة ٥١٣٨ هـ يقول فيها: «رأيت كأني واقف في باب صحن القاسم(عليه السلام) وإذا بأناس كثيرين قد أقبلوا من جهة الشارع العام في القاسم(عليه السلام) فسألت أحد المؤمنين ما هذا الاجتماع؟ فأجابني: جاء الإمام ان موسى بن جعفر(عليه السلام)ومحمّد الجواد(عليه السلام) لزيارة القاسم(عليه السلام) فأتيت مسرعاً في الحال، وإذا برجل أسمر اللون، وعمره يناهز الستين، لاهو بالطويل ولاالقصير، فسألت عنه فقيل لي: هذا هو الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) فسلّمت عليه وقبّلت يديه، وإذا بجماعة ثانية، فنظرت وإذا شابّ نوراني الوجه، وجهه كفلقة قمر، فسألت عنه فقيل لي: هو الإمام محمّد الجواد(عليه السلام)، فأتيت إليه وسلمت عليه وقبّلت يديه، ثمّ أقبل رجلان من البلدة إلى الإمام محمّد الجواد(عليه السلام)فسلما عليه وطلبا منه(عليه السلام) بهذه العبارة (نحن نريد أن تصلح بيننا وبين سيد محمّد تقي) فأشار(عليه السلام)بيده إلى جده(عليه السلام) وقال: اذهبوا إليه وأخبروه، فأقبلا إلى الإمام الكاظم(عليه السلام) وقالا له ما قالاه للامام محمّد الجواد(عليه السلام)بهذه العبارة (نحبّ أن تصلح بيننا وبين سيد محمّد تقي). فقال لهما الإمام الكاظم(عليه السلام): (أنا أرسلت سيد محمّد تقي لكم مصلحاً وهو قطعة إصلاح)[٢٨].
فعدل الإمام الحكيم(قدس سره) عن إرساله إلى (دولة قطر) وعيّنه في مدينة القاسم(عليه السلام)ليكون ممثلاً لسماحته عندهم ; لانه دخل القلوب من أوّل وهلة، وكانت هذه الصفة ملازمة للشهيد، فروحيته الشفافة تدخل المحبة بقلب كل من رآه وعرفه.
وما ان استقر الحال بالشهيد(قدس سره) في مدينة القاسم(عليه السلام) حتى ترجم قصة القاسم(عليه السلام)من مدينة جده(صلى الله عليه وآله وسلم) – المدينة المنورة – إلى أن وصل «حي باخمرا» أو منطقة سورى[٢٩] وفي ١٥ شوال ١٣٨٥ هـ وضع حجر الاساس للحوزة العلميّة لتدرّس فيها مقدمات العلوم من فقه واُصول وعقائد ومنطق ونحو وبلاغة وغيرها.

والكتب التي تدرّس فيها هي:
١- الفقه: رسالة المرجع، منهاج الصالحين بجزأيه، شرائع الإسلام، شرح اللمعة بجزأيه، مكاسب الشيخ الأنصاري.
٢- اصول الفقه: اصول الفقه للشيخ المظفّر، معالم الدين في الاصول، الرسائل، كفاية الأصول.
٣- النحو: البداءة في علمي النحو والصرف، المنهاج في القواعد والاعراب، شرح ابن عقيل على الألفية.
٤- البلاغة: البلاغة الواضحة، مختصر المعاني.
٥- التفسير: البيان للإمام الخوئي، تفسير الفرقان للشهيد الجلالي – مخطوط -.
٦- المنطق: المنطق للشهيد الجلالي، حاشية التفتازاني.
٧- الكلام: التربية الدينية، عقائد الإماميّة، شرح الباب الحادي عشر، شرح التجريد.
٨- المحفوظات: جزء عمّ، جزء تبارك، ألفية ابن مالك، الباب الحادي عشر، نصوص مختارة حسب السنين الدراسية.
٩- التربية: محاضرات في التربية (الدينية، الوطنية، الاجتماعية) الخطابة، التأليف، التصنيف.
وقد باشر الشهيد الجلالي(قدس سره) بتدريس الدروس العليا، وقام بقيّة المدرسين بتدريس الكتب والعلوم الأخرى.
وكان تشييد المدرسة الدينية متزامناً مع فكرة إنشاء ضريح من الذهب للمرقد المطهر على غرار ضريح أبي الفضل العباس(عليه السلام).
وقد مرّ بك عزيزي القارىء ما ظهر من كرامة في اليوم الذي أعلن فيه عن تشييد الضريح الشريف، وقد وصل الضريح خلال الحرب العراقيّة الإيرانيّة عن طريق سوريا، وهو الضريح الوحيد بين الأضرحة الشريفة للعتبات المقدسة في العراق الذي لم يرفع عنه اسم (الإمام الحكيم(قدس سره) إذ أنّ جميع الأضرحة التي ساهم فيها الإمام الحكيم(قدس سره) وبالذات الضريح المطهر لمرقد أبي الفضل العباس(عليه السلام) الذي أحدث ضجّة في بغداد عند وصوله من إيران، وحدثت مشاكل وقتها في منطقة الأعظمية.
ولكن النظام العراقي وضع اسم الطاغية على أبواب الأضرحة وبعبارة: «بمساعي الرئيس المؤمن المهيب…» ولكن ما وعته القلوب واستقر في الضمائر لا يغيّره تغيير الأسماء وتزييف الحقائق.
وللأمانة التاريخية نمتّع أبصارنا بقصيدة المغفور له آية الله محمّد جمال الهاشمي(قدس سره) التي خطّ قسم منها بالذهب على ضريح القاسم(عليه السلام)وهي خير دليل على زيف ادعاآت الظالمين.
 
وتخليداً لشاعر أهل البيت(عليهم السلام) فضلّنا أن نذكر القصيدة بتمامها لتبقى مناراً للأجيال تصرخ بوجه الظالمين (ان العاقبة للمتقين) والخزي للظالمين، واليكم القصيدة:
إن رُمتَ أن تحيا وعيشك ناعمُ *** فاقصد ضريحاً حلّ فيه القاسمُ
تقضى به الحاجات وهي عويصة *** ويُردّ عنك السوء وهو مهاجمُ
فيه تحل المشكلات فقبره *** كالبيت في زواره متزاحمُ
مَن كابن موسى نال مجداً في الورى *** كالفجر في انواره متلاطمُ
مَن جدّه خير الأنام محمّد *** من اُمّه امّ الكواكب فاطمُ
نسبٌ به كالبدر يزهر حيدرٌ *** ويطاول الشمس المضيئة هاشمُ
وله مقامٌ في الجهاد مقدّس*** تهتزّ منه لهاذم وصوارمُ
الظلم طارده فعاش كأنه *** طيرٌ بآفاق البسيطة حائمُ
حتى لباخمراء جاء فضمّه *** جوٌّ بحبّ بني النبوة باسمُ
رهطٌ زكى بولاء آل محمّد *** فمن الوِلاء له شعارٌ قائمُ
دلت على إيمانه حركاته *** كالورد نمّ عليه نشرٌ فاعمُ
قدم ابن موسى نحوه فهفا له *** إيمانه لما أتاه القادمُ
دلّت عليه ملامحٌ علويةٌ *** وعلائمٌ هي للجلال معالمُ
وأجابت البنت البتول سؤاله *** والقلب منها بالولاية هائمُ
وقضى الحياة هناك يجهل أصله *** قطر على تقديسه يتزاحمُ
حتى قضى في غربة فغَدا بها *** نجماً يشعّ به الظلام الداهمُ
وغدت تحج له الألوف تبرّكاً *** بضريحه فهو الملاذ العاصمُ
وأشاد موقفه الحكيم مشيداً *** رمزاً له يعنو الزمان الحاكمُ
الآيةُ العظمى الذي فيه انمحت *** للغيّ أحداثٌ جرت وعظائمُ
 
ونعود إلى سير الدراسة في مدرسة القاسم(عليه السلام) الدينية حيث كان الشهيد(عليه السلام)يتردد على ناحية القاسم(عليه السلام) أيام الاربعاء والخميس والجمعة، ويقيم مع عائلته الاشهر الثلاث وهي محرم، وصفر، وشهر رمضان المبارك، وأيام تعطيل الدراسة في النجف الاشرف.
ويقضي هذه العطل في التأليف والتحقيق، إضافة لدوره البارز وتحمله بعض المسؤولية في مرجعية الإمام الخوئي(قدس سره) وهذا ما ستعرفه لاحقاً، وكان(قدس سره) لا يعرف الكسل والملل.
 


[١]- القاسم بن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) نقلاً عن كتاب الإتحاف بحب الأشراف ص ٥٤.
[٢]- الفصول المهمة ص ٢٢٢، أعيان الشيعة ٤ ق ٣ / ٤٢ بلفظ آخر.
[٣]- وفيات الاعيان ٤ / ٣٩٣.
[٤]- الفصول المهمة ص ٢١٩.
[٥]- مراقد المعارف ٢ / ١٨١.
[٦]- وفاة الإمام الرضا ص ٧٠ ط – ٢.
[٧]- لها أسماء عيديدة منها: الطاهرة، نجمة، أروى، سكن، سمان.
[٨]- كتاب القاسم، حياته، روضته، مدينته، نقلاً عن (عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ١ / ١٩.
[٩]- المصدر السابق ص ١٣.
[١٠]- كتاب القاسم(عليه السلام)، حياته، روضته، مدينته، نقلاً عن (عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ص ١٣.
[١١]- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب(عليهم السلام) ص ١٩٧ الطبعة الثانية.
[١٢]- ٢ / ٤٣٣.
[١٣]- تاريخ الكوفة للبراقي ص ١٧٤.
[١٤]- وتأكيداً على اسم النهر راجع ما كتب على الصخرة التي عثر عليها في قرية (الغنامية) راجع الفصل الرابع: المشاريع التي أنجزت.
[١٥]- ج ١ ص ٨٢.
[١٦]- تاريخ الحلة ج١ ص ٨.
[١٧]- النجم الثاقب في احوال الإمام الحجة الغائب(عليه السلام) – تحقيق السيّد ياسين الموسوي – طبع قم المقدسة ج٢ ص ١٧١.
[١٨]- القاسم(عليه السلام)، حياته، روضته،… نقلاً عن بطل العلقمي ج٣ ص ٤١٩.
[١٩]- القاسم(عليه السلام)، حياته، روضته،… نقلاً عن التعريفات للجرجاني ص ١٤٩.
[٢٠]-  التجريد لنصير الدين الطوسي.
[٢١]- شرح التجريد ص ٢١٨.
[٢٢]- في كتابه نظرات في التصوف والكرامات، المطبوع مع كتاب معالم الفلسفة الإسلامية ط٢ ص٢٥٠.
[٢٣]- القاسم(صلى الله عليه وآله وسلم)، حياته… ص ٥٩.
[٢٤]- الميزانج٦ ص ١٩٠.
[٢٥]- المنطق للشيخ المظفر ص ٢٨٦.
[٢٦]- الجدير بالذكر أن هذا الشاب كان له مساهمات في مشاريع خيرية منها إكساء الحضرة المطهرة للقاسم(عليه السلام) بالمرمر الايطإلى قبل مرضه بعدة سنوات.
[٢٧]- الميزان في تفسير القرآن ج ٦ ص ١٧٥ طبع قم المقدسة.
[٢٨]- وهذه لا شك فيها لما روي عن الإمام الحسن بن علي الهادي: (حال الائمة في المنام: حالهم في اليقظة لا يغيّر النوم منهم شيئاً، وقد أعاذ الله عز وجل أوّل ياءه من الشيطان، كما حدثتك به نفسك) وقال(عليه السلام): (إن كلامنا في النوم، مثل كلامنا في اليقظة)نقلاً عن كتاب الأنوار الحسنية في تفسير الرؤيا المنامية ص ٦٠.
[٢٩]- تقدمت تسمية مدينة القاسم(عليه السلام) بهذين الاسمين، فراجع.

الصلاة القادمة بتوقیت النجف الاشرف

اتصل بنا

إذا كنت مهتمًا بالاتصال بنا ، فيمكنك الاختيار من النموذج أدناه وطرح سؤالك.
يمكنك أيضا الاتصال بأرقام الاتصال المدرجة.
  • عنوان المکتب
    العراق ، النجف الاشرف، شارع الامام زين العابدين عليه السلام، خلف فندق قصر الدر، زقاق صفوة، حسينيه الشهيد الجلالي
  • الهاتف والفاكس
    989128539097+ - 989356642749+